استمر العهد الأسلامي لسنوات طويله شامخاً قوياً لعدة اسباب وكان من هذه الاسباب حفظ حقوق الراعي والرعيه , ومامن دوله نهكت فيها هذه الحقوق إلا سقطت وتزعزع امنها
ولهذا جاء الاسلام كاملاً محتوياً على جميع الخيرات والفضائل , وجائت الشريعه شاملة لجميع مايحتاج اليه الناس فنظمت احكام معاملات الناس فيما بينهم في كل شيء , ولهذا فإن العمل بالشريعه سبب استقامه احوال الناس وخلوها من المشاكل
أولا: حقوق الراعي:
إن الله – جل وعلا – قد أوجب لأئمة المسلمين حقا على الرعية يجب عليهم أن يقوموا به، ويحرم عليهم التفريط فيه، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة، إن الدين النصيحة». قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم»(1 )، فللأئمة حقوق على الناس يجب عليهم أن يراعوها، وأن يقوموا بها، ويحرم عليهم أن يفرطوا في شيء منها.
إذا تقرر هذا فما هي هذه الحقوق؟
1 – اعتقاد ولايته وأن الله – جل وعلا – قد جعله إماما للمسلمين:
قول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «من خرج من الطاعة، وفارق الجماعة، فمات مات مِيتة جاهلية».( 2)
2- طاعتهم في المعروف ظاهرًا وباطنًا:
قال الله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ} [سورة النساء: الآية 59] ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «السمع والطاعة حق على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يؤمر بمعصية، فإذا أُمِر بمعصية فلا سمع عليه ولا طاعة» ( 3)، ويقول – صلى الله عليه وسلم -: «اسْمَعُوا وَأَطِيعُوا، وَإِنِ اسْتُعْمِلَ عَلَيْكُمْ عَبْدٌ حَبَشِيٌّ، كَأَنَّ رَأْسَهُ زَبِيبَةٌ» ( 4)، ويقول – صلى الله عليه وسلم -: «اسمع وأطع للأمير الأعظم، وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك» كما رواه الإمام مسلم في صحيحه(5 ).
3 – النصح لهم وتبيين الحق بلطف:
قال النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «إِنَّ اللهَ يَرْضَى لَكُمْ ثَلَاثًا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ ثَلَاثًا، فَيَرْضَى لَكُمْ: أَنْ تَعْبُدُوهُ، وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَنْ تَعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا، وَيَكْرَهُ لَكُمْ: قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرَةَ السُّؤَالِ، وَإِضَاعَةِ الْمَالِ» كما رواه الإمام مسلم في صحيحه ( 7).
فمن حقوق الراعي تنبيه الرعاة لما غفلوا عنه، أو لم يبلغهم من حقوق المسلمين بأسلوب مناسب، وطريقة طيبة بحيث تؤدى الحقوق لأصحابها
4- تأليف القلوب على طاعتهم:
قال الله – جل وعلا -: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [سورة يوسف: الآية 108]، فكل من كان تابعا للنبي – صلى الله عليه وسلم – فإنه يقتدي بطريقته في الدعوة إلى الله – عز وجل -.
5- عدم الخروج على ولاة الأمور:
وهو من المحرمات الشرعية لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لاَ حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً ( 8)» كما رواه الإمام مسلم في صحيحه (9 ).
ومن حق الراعي أيضا أن نبين كل جهد يقوم به أحد من الناس في الخروج عليهم، نتقرب بذلك لله – عز وجل -، فإذا رأينا تصرفًا يُراد به إخلال بأمن أو خروج على الراعي وجب على كل من علم بحالهم أن يبلغ الولاة، وأن يعرفهم بذلك، فإن هذا من الواجبات الشرعية، ويحرم على الإنسان أن يساعد أحدًا ممن يقوم بأي جهد يؤدي إلى الخروج على الولاة أو الأئمة، فإن ذلك مما يخالف شريعة رب العالمين، لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «وَمَنْ بَايَعَ إِمَامًا فَأَعْطَاهُ صَفْقَةَ يَدِهِ، وَثَمَرَةَ قَلْبِهِ، فَلْيُطِعْهُ إِنِ اسْتَطَاعَ، فَإِنْ جَاءَ آخَرُ يُنَازِعُهُ فَاضْرِبُوا عُنُقَ الْآخَرِ»( 10).
6- الصلاة خلفهم والجهاد معهم:
قال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «وإذا استُنفرتم فانفروا» ( 11).
7- أداء الزكاة والصدقات لهم:
كما أمر الله – عز وجل – بذلك في قوله – سبحانه -: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [سورة التوبة: الآية 103].
8- عدم غش الأئمة بالثناء الكاذب:
قال الله تعالى: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [سورة التوبة: الآية 119]، وقال النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الكَذِبَ رِيبَةٌ» ( 12).
9- الدعاء لهم:
كما قال – سبحانه -: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ} [سورة غافر: الآية 60]، وقال:{وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ} [سورة البقرة: الآية 186]، وقد جاء في الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «دَعْوَةُ الْمَرْءِ الْمُسْلِمِ لِأَخِيهِ بِظَهْرِ الْغَيْبِ مُسْتَجَابَةٌ، عِنْدَ رَأْسِهِ مَلَكٌ مُوَكَّلٌ كُلَّمَا دَعَا لِأَخِيهِ بِخَيْرٍ، قَالَ الْمَلَكُ الْمُوَكَّلُ بِهِ: آمِينَ وَلَكَ بِمِثْلٍ» كما في صحيح مسلم ( 13).
10- تعظيم مكانتهم وقدرهم:
لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ غَيْرِ الْغَالِي فِيهِ وَالْجَافِي عَنْهُ، وَإِكْرَامَ ذِي السُّلْطَانِ الْمُقْسِطِ» كما أخرج أبو داوود في سننه (14 )، وأخرج الترمذي في سننه أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «مَنْ أَهَانَ سُلْطَانَ اللَّهِ فِي الأَرْضِ أَهَانَهُ اللَّهُ» ( 15).
11- إعانتهم على الخير:
انطلاقا من قول الله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى البِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} [سورة المائدة: الآية 2 ].
وقد جاء في الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «خِيَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُحِبُّونَهُمْ وَيُحِبُّونَكُمْ، وَيُصَلُّونَ عَلَيْكُمْ وَتُصَلُّونَ عَلَيْهِمْ، وَشِرَارُ أَئِمَّتِكُمُ الَّذِينَ تُبْغِضُونَهُمْ وَيُبْغِضُونَكُمْ، وَتَلْعَنُونَهُمْ وَيَلْعَنُونَكُمْ» ( 16)،
12- الذب عن عرضه بالقول والفعل:
فقد جاء في الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «مَنْ رَدَّ عَنْ عِرْضِ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَرُدَّ عَنْهُ نَارَ جَهَنَّمَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ» ( 17).
13- الصبر على جورهم:
يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «من كره من أميره شيئا فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبرا مات مِيتَة جاهلية» كما في الصحيحين ( 18).
14- الوفاء بالبيعة:
قال تعالى: {وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ العَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا} [سورة الإسراء: الآية 34 ] وقال: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [سورة المائدة: الآية 1.
15- الكف عن معايبهم:
فإن هذا من المحرمات التي تدخل في قول الله – عز وجل -: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} [سورة الحجرات: الآية 12]، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – في الغِيبة: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟» قَالُوا: اللهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ» قِيلَ أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟ قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ، فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ».( 21)
ثانيا: حقوق الرعية:
وأما القسم الثاني من الحقوق فهو: ما يتعلق بحقوق الرعية، وهي على نوعين:
النوع الأول: حقوق للرعية على الراعي:
مثل: العدل، وحماية الثغور، وتحكيم الشريعة، وحماية الأمة من فساد المعتقد والأخلاق، والقيام على مصالح المسلمين، وعدم إضاعة شيء منها، وعدم الاحتجاب عن شيء من مصالحهم، مع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والرفق بالرعية، ونحو ذلك من الحقوق الشرعية الواجبة على الراعي تجاه الرعية، وهذه الحقوق يحسن أن يخاطب بها الراعي مباشرة.
النوع الثاني: حقوق الرعية بعضهم على بعض:
إن الشريعة كما جاءت بإيجاب حقوق للراعي على الرعية، وللرعية على الراعي، جاءت أيضا بإيجاب حقوق متعددة للرعية بعضهم على بعض، فمن حقوق الرعية بعضهم على بعض:
1- كف الأذى:
كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – «بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ، كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ» كما في صحيح مسلم (26 )، ويقول الله – جل وعلا -: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُّبِينًا} [سورة الأحزاب: الآية 58]، فأذية الرعية من كبائر الذنوب، ومن المعاصي التي لا بد فيها من أخذ صاحب الحق لحقه، ومن هنا يحذر الإنسان من أذية غيره، ولهذا جاء في الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «أَتَدْرُونَ مَا الْمُفْلِسُ؟» قَالُوا: الْمُفْلِسُ فِينَا مَنْ لَا دِرْهَمَ لَهُ وَلَا مَتَاعَ، فَقَالَ: «إِنَّ الْمُفْلِسَ مِنْ أُمَّتِي يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِصَلَاةٍ، وَصِيَامٍ، وَزَكَاةٍ، وَيَأْتِي قَدْ شَتَمَ هَذَا، وَقَذَفَ هَذَا، وَأَكَلَ مَالَ هَذَا، وَسَفَكَ دَمَ هَذَا، وَضَرَبَ هَذَا، فَيُعْطَى هَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، وَهَذَا مِنْ حَسَنَاتِهِ، فَإِنْ فَنِيَتْ حَسَنَاتُهُ قَبْلَ أَنْ يُقْضَى مَا عَلَيْهِ أُخِذَ مِنْ خَطَايَاهُمْ فَطُرِحَتْ عَلَيْهِ، ثُمَّ طُرِحَ فِي النَّار ِ»( 27).
2- إعانتهم:
جاء في الحديث أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «ويعين الرجل على دابته فيحمل عليها، أو يرفع عليها متاعه صدقة» كما ورد ذلك في الصحيحين (28 )، وقال – صلى الله عليه وسلم -: «وَاللهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» ( 29).
3- ستر عوراتهم:
ومن حقوق الرعية بعضهم على بعض: ستر عوراتهم، فإذا رأينا شيئا من المنكرات أو المحرمات لم نشعه في الناس، ولم نتكلم به، وإنما نصحنا صاحبه، ونتكلم معه بأسلوب مناسب، وطريقة طيبة، ونبين له الحق، ونستر عيبه وذنبه
ومن هنا جاءت الشريعة بالأمر بستر معايب الآخرين، فقال – صلى الله عليه وسلم – «من ستر مسلما ستره الله يوم القيامة»( 30).
4- تعليم جاهلهم:
ومن حقوق الرعية بعضهم على بعض: تعليم جاهلهم، فمتى وجدنا أحد الرعية يجهل شيئا من الأحكام، عَلَّمْنَاهُ وبَيَّنا له الحكم الشرعي، وهذا دأب الصحابة والتابعين من بعدهم.
5- إرشادهم لما فيه مصلحتهم:
ومن حقوق الرعية بعضهم على بعض: إرشاد بعضهم لمصالح الآخرين، فيشير عليه بالمشورة الصالحة، ويوضح له ما تستقيم به أحواله في دنياه وفي آخرته.
6- دفع المضار عنهم:
يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ – أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ – شُعْبَةً، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنِ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنَ الْإِيمَانِ»(31 )، فجعل إماطة الأذى عن الطريق – حتى لا يتأذى منها المسلمون – من شعب الإيمان، ويقول – صلى الله عليه وسلم -: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَجُلًا يَتَقَلَّبُ فِي الْجَنَّةِ، فِي شَجَرَةٍ قَطَعَهَا مِنْ ظَهْرِ الطَّرِيقِ، كَانَتْ تُؤْذِي النَّاسَ» كما ثبت ذلك في الصحيح(32 )، وقد جاء في الحديث: «وَمَنْ فَرَّجَ عَنْ مُسْلِمٍ كُرْبَةً، فَرَّجَ اللهُ عَنْهُ بِهَا كُرْبَةً مِنْ كُرَبِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ» ( 33).
7- جلب المنافع لهم:
يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «عُرِضَتْ عَلَيَّ أَعْمَالُ أُمَّتِي حَسَنُهَا وَسَيِّئُهَا، فَوَجَدْتُ فِي مَحَاسِنِ أَعْمَالِهَا الْأَذَى يُمَاطُ عَنِ الطَّرِيقِ» ( 34)، فهنا لما أزال الضرر كان ذلك من الحسنات التي تسجل في ميزان العبد يوم القيامة، فالمقصود أن جلب الخير والمصلحة لإخواننا المسلمين هذا من حقوقهم علينا، لقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ» كما في الصحيح (35 ).
8- أمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر:
والله – جل وعلا – يقول: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ} [سورة التوبة: الآية 71]، ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ المُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلَا يُسْتَجَابُ لَكُمْ» (36 ).
9- توقير الكبير ورحمة الصغير:
قال الله تعالى: {وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ} [سورة الحجر: الآية 88] ويقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ، وَتَرَاحُمِهِمْ، وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ» (37 )، وقال – صلى الله عليه وسلم -: «الْمُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِ كَالْبُنْيَانِ، يَشُدُّ بَعْضُهُ بَعْضًا»( 38)، ويقول – صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّهُ مَنْ لَا يَرْحَمْ لَا يُرْحَمْ»( 39)، ويقول – صلى الله عليه وسلم -: «لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَمْ يَرْحَمْ صَغِيرَنَا وَيُوَقِّرْ كَبِيرَنَا»( 40).
10- حب الخير لبعضهم البعض:
جاء في حديث أنس في الصحيح أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ» (41 ).
11- المحبة لهم:
يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «ثَلَاثٌ مَنْ كُنَّ فِيهِ وَجَدَ بِهِنَّ حَلَاوَةَ الْإِيمَانِ: مَنْ كَانَ اللهُ وَرَسُولُهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُمَا، وَأَنْ يُحِبَّ الْمَرْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ» (42 )، ولما ذكر السبعة الذين يظلهم الله في ظله ذكر منهم: «وَرَجُلَانِ تَحَابَّا فِي اللهِ اجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ» ( 43)، وقال – صلى الله عليه وسلم -: «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَا تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ حَتَّى تُؤْمِنُوا، وَلَا تُؤْمِنُوا حَتَّى تَحَابُّوا، أَفَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَمْرٍ إِذَا فَعَلْتُمُوهُ تَحَابَبْتُمْ أَفْشُوا السَّلَامَ بَيْنَكُمْ» ( 44).
12- الذب عن أموالهم وأعراضهم:
ومما جاءت به الشريعة من حقوق الرعية بعضهم على بعض: الذب عن أموالهم وأعراضهم وجميع حقوقهم، فإذا وجدت شيئا من حق أخيك يراد انتهاكه، إما بلسان، أو بيد، فإن من حق أخيك عليك أن تقوم بحماية حقه، وعدم تمكين المفسدين من شيء من حقوق إخوانك المسلمين.
13- تنشيط الهمم للطاعة:
ومن حقوق الرعية بعضهم على بعض: أن ينشط بعضهم همم بعضهم على الطاعة، إما بأن يتعاونوا عليها، وأن يكونوا يدًا واحدة في القيام بها، وأن يذكر بعضهم البعض بهذه الطاعات حتى يقوموا بها.
14- حسن المعاملة وحسن الأخلاق:
ومن حقوق الرعية بعضهم على بعض: إحسان التعامل والأخلاق فيما بينهم، فيحسن الإنسان تعامله مع إخوانه، يتقرب لله – عز وجل – بذلك، يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ الْمُؤْمِنَ لَيُدْرِكُ بِحُسْنِ خُلُقِهِ دَرَجَةَ الصَّائِمِ الْقَائِمِ» (45 )، ويقول – صلى الله عليه وسلم -: «لَا تَحْقِرَنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا، وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ» (46 ).
15- العفو عن الزلات:
ومن حقوق الرعية بعضهم على بعض: أن يعفو بعضهم عن زلات بعض، فإنه ما من إنسان إلا ويحصل منه تقصير، وتحصل منه هفوة، فعندما يصبر الإنسان على خطأ الآخرين، ويعفو عن زلاتهم تستقيم الأحوال.
16- تواضع بعضهم لبعض:
يقول النبي – صلى الله عليه وسلم -: «إِنَّ اللهَ أَوْحَى إِلَيَّ أَنْ تَوَاضَعُوا، حَتَّى لاَ يَفْخَرَ أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ، وَلاَ يَبْغِي أَحَدٌ عَلَى أَحَدٍ» ( 48)،
فكل من كان فيه صفة توجب ضعفه، فإن الشريعة تأمر بالإحسان إليه والقيام بحقه أعظم من أمرها بالقيام بحق غيره، ومن هنا فإن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: «هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلاَّ بِضُعَفَائِكُمْ؟»( 55)، وقال – صلى الله عليه وسلم -: «السَّاعِي عَلَى الْأَرْمَلَةِ وَالْمِسْكِينِ، كَالْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَكَالْقَائِمِ لَا يَفْتُرُ، وَكَالصَّائِمِ لَا يُفْطِرُ» (56 ).
17- توقير العلماء:
قال الله تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [سورة الزمر: الآية 9] وقال – جل وعلا -: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلًا} [سورة النساء: الآية 83] وقال: {وَمَا كَانَ المُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [سورة التوبة: الآية 122].
فهذا شيء من النماذج مما جاءت به الشريعة في حقوق الرعية، سواء حقوق الرعية على الراعي، أو حقوق الرعية بعضهم على بعض.